“ليست الأعمال التليفزيونية والسينمائية هي المصدر الرئيسي للتاريخ، ولا يفترض أساسًا أن تكون الأعمال الفنية هي الباحث عن الحقائق التاريخية، هذه هي الفكرة التي تناولتها أحد المنشورات المتداولة بشكل مكثف على موقع فيس بوك”
لكن ونتيجة لعوامل مختلفة، فقد بدأ الشعب العربي عمومًا والمصري خاصةً في اعتبار أن جميع المسلسلات والأفلام التاريخية هي حقائق تاريخية مؤكدة، وأنها وسيلة مرئية لقراءة التاريخ.
هذا الأمر تسبب بالطبع في اعتبار بعض الحبكات الدرامية حقائق تاريخية دون محاولة قراءة التاريخ من كتبه الأصلية.
الشيماء
الشيماء التي تم ذكرها في أحد الأعمال السينمائية ليست هي الأخت الشقيقة للرسول كما ظن البعض.
الشيماء بنت الحارث هي ابنة حليمة السعدية مرضعة النبي محمد، وبالتالي تكون الشيماء أخته في الرضاعة لا أكثر.
النبي كان يخرج في صغره مع أولاد حليمة، وكانت الشيماء تراعيه وتحضنه بين ذراعيها، وتحمله إذا ما اشتد الحر وطال الطريق.
الشيماء كانت جيدة في إلقاء بعض أبيات الشعر، لكنها لم تكن مغنية كما تم ذكرها في فيلم “الشيماء” ولم تكن تغني وسط مجالس الرجال كما صورها الفيلم.
كفار قريش
الكثير من الأعمال السينمائية أبرزت لنا شخصيات كفار قريش على أنهم سكارى كريهو الرائحة لا يستحمون ولا يهتمون بنظافتهم الشخصية.
الحقيقة أن أهل قريش ممن لم يكونوا قد أسلموا قبل فتح مكة كانوا رجالًا عظام الذكر من سادات العرب الذين يهتمون بالتطيب والتعطر والإتيان بكل ما هو جميل خلال رحلاتهم التجارية للشام واليمن.
في جميع الأفلام والمسلسلات التاريخية يتم تصوير شخصية أبي لهب على أنه شخص شرير قبيح الشكل. في الواقع فإن أباه أبا طالب قد سماه “أبا لهب” وذلك لوسامته وإشراق وجهه.
أبو لهب عندما جاءته جاريته “ثويبة” وبشرته بميلاد ابن أخيه محمد قام بتحريرها من الرق؛ مما يدل على تعامله كسيد وليس كعربيد مثلما صورته الأفلام، لكن معاداة أبي لهب لمحمد سببها خشيته على ضياع مركزه وتساويه مع من كانوا عبيدًا عنده.
هارون الرشيد
صورته لنا بعض الأفلام على أنه ذلك الخليفة الدائم الحضور لمجالس الغناء والمحب للنساء ورقصهم.
هارون الرشيد كان هو الخليفة العباسي الخامس وأشهر الخلفاء العباسيين جميعًا.
هارون الرشيد هو أكثر الخلفاء العباسيين ذكرًا في المصادر الأجنبية كالحوليات الألمانية في عصر الإمبراطور شارلمان، والحوليات الهندية والصينية.
هارون الرشيد صورته المصادر العربية بالخليفة الورع المتدين الذي تسيل دموعه عند سماعه الموعظة.
وكان مجاهدًا يحج عامًا ويغزو عامًا.
هارون الرشيد كان أول خليفة عباسي يقود الجيش بنفسه في الغزو.
ونقلت مصادر عنه أنه كان يصلي في اليوم مائة ركعة.
هارون الرشيد كان الخليفة الحذر الذي يبث جواسيسه وعيونه بين الناس ليستطلع أحوالهم ويعرف مشاكلهم.
وكان يطوف أحيانًا متنكرًا في الأسواق والمجالس ليعرف ما يقال فيها.
كما تم اعتبار عصره هو العصر الذهبي للإسلام كله.
عيسى العوام
أحد الشخصيات الرئيسية في فيلم الناصر صلاح الدين الشهير، الذي كان مسيحيًّا وأحب إحدى مقاتلات الفرنجة وبقي معها في نهاية الفيلم.
في البداية عيسى العوام لم يكن مسيحيًّا أصلًا بل كان غواصًا عربيًّا مسلمًا في صفوف جيش صلاح الدين الذي حارب الصليبيين.
قصته تم ذكرها في كتاب (النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية) لبهاء الدين بن شداد حيث ذكر “ومن نوادر هذه الوقعة ومحاسنها أن عوامًا مسلمًا كان يقال له عيسى، وكان يدخل إلى البلد – يعني عكا أثناء حصار الفرنج لها– بالكتب والنفقات على وسطه – أي يربطها على وسطه- ليلًا على غرة من العدو، وكان يعوم ويخرج من الجانب الآخر من مراكب العدو، وكان ذات ليلة شد على وسطه ثلاثة أكياس، فيها ألف دينار وكتب للعسكر، وعام في البحر فجرى عليه من أهلكه، وأبطأ خبره عنا، وكانت عادته أنه إذا دخل البلد طار طير عرّفنا بوصوله، فأبطأ الطير، فاستشعر الناس هلاكه، ولما كان بعد أيام بينما الناس على طرف البحر في البلد، وإذا البحر قد قذف إليهم ميتًا غريقًا، فافتقدوه – أي تفقدوه- فوجدوه عيسى العوام، ووجدوا على وسطه الذهب وشمع الكتب، وكان الذهب نفقة للمجاهدين، فما رُئي من أدّى الأمانة في حال حياته وقد أدّاها بعد وفاته، إلا هذا الرجل. وكان ذلك في العشر الأواخر من رجب أيضًا”.
قراقوش
تم ذكره في أعمال فنية عديدة على أنه حاكم ظالم قام بأعمال عجيبة خلال ولايته، والتي تصوره بأنه ظالم أو غبي.
بهاء الدين قراقوش كان خادمًا لصلاح الدين الأيوبي، ولما استقل صلاح الدين بمصر جعل لقراقوش زمام القصر ثم أصبح نائبًا عنه عند سفره خارج البلاد.
يوصف قراقوش بأنه كان رجلًا مسعودًا، حسن المقاصد، جميل النية، صاحب همة عالية وآثاره تدل على ذلك. قراقوش هو من بنى السور المحيط بالقاهرة وهو من بنى قلعة الجبل والقناطر بالجيزة.
ظل قراقوش في خدمة صلاح الدين الأيوبي مدة 30 عامًا دون أن يشك صلاح الدين في عقله أو نواياه وإلا لكان أبعده.
في كتاب للأستاذ صالح محمد الجاسر بعنوان (قراقوش.. المظلوم حيًّا وميتًا) جاء فيه “من بهاء الدين قراقوش، فعلى الرغم من أنه شخص شبه مغمور لا يعرف سيرته إلا من يبحث في سيرة صلاح الدين الأيوبي وأعماله حيث يرى بصمات واضحة لقراقوش في تلك الأعمال، إلا أنه تعرض لتشويه جعله ينتقل من قائمة المحاربين والمهتمين بالعمارة إلى قائمة الحمقى والمغفلين وأحيانًا الطغاة”.
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء