pregnancy

الجزء الثاني أخطاء تاريخية رسختها الأعمال الفنية في عقولنا

الجزء الثاني

 أخطاء تاريخية رسختها الأعمال الفنية في عقولنا 


يمكنك مشاهدة الجزء الاول بالضغط على هنا

محمد سعيد باشا

دائمًا ما يتم ذكره في الأعمال الفنية على أنه ذلك الحاكم الذي ضحك عليه فيرديناند ديلسبس وجعله يعطيه حق قناة السويس.
بشكل عام فإن حكام أسرة محمد علي يتم تصويرهم بشكل غريب في الأعمال الدرامية المصرية، كونهم يتحدثون بالعربية المكسرة المحشور بها بعض الكلمات التركية (هذا الأمر غير صحيح، فمن غير المعقول لمن ولد وعاش طفولته في مصر ألا يعرف كيف يتحدث العربية باللهجة المصرية الخالصة).
محمد سعيد باشا هو أحد الحكام الكبار في مصر الذي قام بالعديد من المشاريع التي لا تزال مصر تحيا من خيره حتى اليوم.
فهو أول من جعل المصريين ضباطًا في الجيش، وهو من أنشأ قناة السويس، وهو من قام بتوسيع سكة الحديد وتوصيلها إلى السويس، وقام بتأسيس البنك المصري، وقام بتخفيض الضرائب على الأراضي الزراعية، وأسقط المتأخرات عن الفلاحين، وقام بتطهير ترعة المحمودية، وأنشأ شركتين للملاحة إحداهما نيلية والأخرى بحرية.
أمر آخر، هناك بعض الأعمال الفنية التي تذكر محمد سعيد باشا باسم (الخديوي سعيد) وهذا خطأ تاريخي لأن إسماعيل باشا هو أول من حصل على لقب (خديوي) وليس محمد سعيد.

الخديوي إسماعيل

المشهور عن الخديوي إسماعيل في المسلسلات والأفلام المصرية أنه ذلك الشخص الذي كان مفرغًا حياته بشكل شبه تام للنساء، والذي كان يريد أن ينتزع ألمظ من يد زوجها عبده الحامولي.
الخديوي إسماعيل لم يكن يريد ألمظ ولم يسع لانتزاعها من زوجها. عبده الحامولي نفسه كان من حاشية الخديوي إسماعيل وكان شديد القرب منه. الدليل على ذلك هو أنه في أعقاب عزل الخديوي إسماعيل، انسحب الحامولي من حاشية الخديوي توفيق واعتزل الغناء وفاءً للخديوي إسماعيل.
الخديوي إسماعيل كان يولي مصر اهتمامًا كبيرًا وعمل على تطوير الملامح العمرانية والاقتصادية والإدارية في مصر بشكل كبير حتى أطلق عليه لقب “المؤسس الثاني لمصر الحديثة”.
وكان أول من جعل الشعب يختار نوابه بعدما حول مجلس المشورة إلى مجلس شورى النواب، كما قام بإنشاء المجالس المحلية وجعل أعضاءها بالانتخاب. أضف لهذا حفر الترع وشق الطرق وإنشاء الكباري وزيادة المساحة المخصصة لزراعة القطن وإنشاء مصانع عديدة بينها 19 مصنعًا للسكر.
يكفيك أن تعلم أن الخديوي إسماعيل تم عزله من منصبه من قبل الخليفة العثماني وبضغوط من إنجلترا وفرنسا نتيجة للنزعة الاستقلالية التي أبداها الخديوي، والتي أثارت قلق القوى الاستعمارية خصوصًا فرنسا وإنجلترا.

الثورة العرابية

المشهور فيم تم ذكره في الأعمال الفنية التاريخية وحتى في كتب الدراسة هو تلك المحادثة الشهيرة التي دارت بين أحمد عرابي وبين الخديوي توفيق أثناء عرض الأول لمطالب الشعب على الخديوي، وكيف أن الخديوي قال: “وما أنتم إلا عبيد إحساننا”، فيرد عليه عرابي بعبارته الشهيرة التي يحفظها غالبية المصريين: “والله الذي لا إله إلا هو لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم”.
حسنًا، كل هذا الحوار ليس حقيقيًّا، لم يقل عرابي للخديوي مثل هذا الكلام ولم يكن عرابي فوق صهوة جواده عندما قال مثل هذا الكلام.
هذ المقولة الشهيرة ذكرها عرابي في مذكراته التي كتبها بعد رجوعه من المنفى وقبل وفاته بسنتين، وهي عبارة من وحي خيال عرابي.
عند النظر في تأريخ المؤرخين لهذه الواقعة نلاحظ أنهم لم يأتوا بمثل هذا الحديث، حتى أن منهم من أطلق عليها وصف “هوجة عرابي” وليس ثورة عرابي.

عباس حلمي الثاني

صورته بعض الأعمال الفنية على أنه ذلك الخديوي الذي حكم لساعات قليلة قبل أن يتم خلعه.
الحقيقة أن عباس حلمي الثاني حكم مصر في الفترة بين عامي 1892 – 1914م.
وهو أكبر أولاد الخديوي توفيق الذي حاول أن ينتهج سياسة إصلاحية، ويتقرب من الشعب المصري، ويقاوم الاحتلال البريطاني لمصر.
انتهزت إنجلترا قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914م واستغلت وجود الخديوي عباس في الخارج لتقوم بخلعه وإخباره بعدم العودة لمصر، وقامت إنجلترا بتعيين عمه حسين كامل سلطانًا على مصر بدلًا من أن يكون خديوي.

الأسلحة الفاسدة

المعروف في الأفلام السينمائية التي تناولت حرب 1948م وما حدث فيها هو أن السبب الرئيسي لهزيمة الجيش المصري كان نتيجة الأسلحة “الفاسدة” التي تم توريدها إليه والتي كانت تقوم بإطلاق النار للخلف؟!
هل ستتفاجأ إذا ما أخبرتك أنه لا توجد أسلحة فاسدة بالمعنى المحفور في الأذهان؟
قبل نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين بأسبوعين قررت القيادة السياسية في مصر دخول الحرب، وقام البرلمان المصري بالموافقة قبل نهاية الانتداب بيومين لا غير. من أجل ضيق الوقت تم تشكيل لجنة احتياجات الجيش لتوفير السلاح بأي شكل ومن أي مصدر دون وجود رقابة أو قيود على عملها.
الأمم المتحدة كانت قد أصدرت قرارًا بحظر بيع السلاح للدول المتحاربة، وبالتالي لجأت مصر للتحايل على القرار عبر عقد صفقات مع شركات السلاح تحت غطاء سماسرة ووسطاء مصريين وأجانب. هذا الأمر فتح الباب لحدوث تلاعبات.
التلاعبات التي تمت كانت في شقين، الأول هو السعر المرتفع المبالغ فيه للأسلحة، والثاني هو مدى مطابقة السلاح للمواصفات وصلاحيته للاستعمال.
اللجنة اضطرت لعدة أمور للحصول على السلاح منها تجميع الأسلحة والمعدات من مخلفات الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية واختيار الصالح منها، وقد تسببت بعض المتفجرات في انفجار مدافع الذخيرة أثناء المعركة، والقيام بشراء الدبابات الإنجليزية الخردة في منطقة قناة السويس بعد تفجير فوهات مدافعها فكان مدى إنطلاق القذيفة يعتمد على الجزء المتبقي من الفوهة.
الغريب أن غالبية هذه الأسلحة لم يتم استخدامها وظلت في المخازن وما خرج منها لأرض المعركة كان نسبة ضئيلة جدًّا، وبالتالي فإن القاعدة الشهيرة الخاصة بأن الأسلحة الفاسدة كانت هي سبب الهزيمة في حرب 1948م لم يكن دقيقًا.

شكرا لتعليقك