pregnancy

دول عظمى سوف تتدمر بفعل الشيخوخة تعرف عليها

وفق المعايير العالمية، فإن أي مجتمع تجاوزت فيه نسبة أعمار الستين عامًا أو يزيد أكثر من 10% من تعداد السكان، فهو مجتمع يعاني من الشيخوخة، وبناء على هذه المعايير فالشيخوخة أزمة باتت تؤرق العديد من الدول الكبرى في العالم.
وتؤكد الأرقام أن ألمانيا والولايات المتحدة، اليابان، وكوريا الجنوبية، والصين تعاني بشكل غير مسبوق من ارتفاع معدلات الشيخوخة، فعدد الذين يبلغون 60 سنة أو أكثر في الصين وكوريا الجنوبية تتراوح نسبتهم بين 12- 15%، أما في الاتحاد الأوروبي وكندا والولايات المتحدة فتقدر نسبة الشيخوخة بين 15-22%، وفي اليابان 30% .
“ساسة بوست” في التقرير التالي تقف على تبعات أزمة الشيخوخة اقتصاديا وعسكريا في الدول الكبرى.

كيف تدمر الشيخوخة اقتصاد الدول الكبرى؟

يعتبر المختصون أن تحول جانب كبير من السكان من منتجين إلى مستهلكين أحد أهم سلبيات الشيخوخة التي ستؤثر بشكل كبير على قدرات المجتمع الادخارية، ومن ثم الاستثمارية، وبالتالي آفاق النمو في اقتصاديات العالم، وكما يقول الخبير البريطاني في علم السكان ومستشار البنك الدولي لشؤون التنمية د. كين مارتن: “أن تنامي أزمة “الشيخوخة” في عديد من البلدان، منها بريطانيا، قضية أصبحت عنصرا ضاغطا يستنزف موارد الميزانيات العامة، فعلى سبيل المثال صناديق المعاشات ورؤوس أموالها حاليا تقدر بالمليارات وعلى الرغم من ذلك لا تكفي وتعاني دائما عجزا ماليا”.
ويشير الأستاذ بكلية السياسات العامة جاك جولد ستون :”أن تباطؤ النشاط الاقتصادي نسبيًا في العقود القادمة في الدول المتقدمة يعود إلى شيخوخة سكانها”، وتابع القول :”هناك تزايد للضغوط على الاقتصاديات الصناعية بسبب ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية”.
وتبين دراسة بنك “كرديت سويس” حول التداعيات الاقتصادية لزيادة عدد المتقاعدين :”أن تغييرا جوهريا سيحدث في نمط الاقتصاد العالمي فيما يتعلق بالعلاقة بين ساعات العمل والفراغ، وسيدعم صناعة الفراغ (السينما، الفنون، الرياضة، السياحة…”، وذكرت الدراسة أنه هذه الصناعات وعبر ضرائب الأرباح تمثل دخلا إضافيا للدولة يعوضها بشكل جيد عن زيادة أعباء المعاشات العامة والرعاية الصحية.
فالصين على سبيل المثال، لديها 500 مؤسسة لرعاية المسنين، تحتوي على 6 ملايين سرير، حيث بلغت قيمة ما أنفقته الصين على الخدمات الاجتماعية العام الماضي 430 مليار يوان (69 مليون $) ، أما ألمانيا فنسبة الشيخوخة سترتفع (ما فوق الـ 65 عامًا)، على أن يشكل هؤلاء ثلث عدد السكان عام 2060 في مقابل 20 في المائة حاليًا، مما سيؤدي إلى حدوث انقلاب في اقتصاد ألمانيا، يؤثر سلبًا على هذا الاقتصاد ويؤدي خلال السنوات العشر المقبلة إلى انخفاض النمو واليد العاملة.

هل ستؤثر ظاهرة الشيخوخة على القدرات العسكرية للدول المتقدمة؟

لا يقتصر الأثر السلبي لزيادة نسبة الشيخوخة على الاقتصاد، حيث يؤكد الخبراء أن العسكريون أكثر قلقا تجاه المستقبل، وذلك لنقص عنصر الشباب في العمل العسكري، ولاضطرار هذه الدول إلى تخفيض ميزانيات الدفاع والمساعدات الخارجية لمصلحة البنود الخاصة بالمعاشات والرعاية الصحية لكبار السن.
ويبين تقرير مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي، أن قلقا كبيرا ينتاب “البنتاجون” وصناع القرار الإستراتيجي الأمريكي من ظاهرة تنامي أعداد كبار السن، وقدرة الإنسان على العيش لسنوات أطول سواء في الولايات المتحدة أو البلدان الحليفة.
ويشير الجنرال المتقاعد إليكس كاشمور بأن “الشيخوخة” حتى الآن ظاهرة محلية في عدد من الدول المتقدمة، لكن تداعياتها الاقتصادية والعسكرية ستؤدي لتغيير ضخم في موازين القوة الدولية بما يجعلها مشكلة كونية.
ويعقب كاشمور على تقرير “البنتاجون” الذي حمل عنوان “الاتجاهات الكونية حتى عام 2030: عوالم بديلة” :”تزايد ظاهرة الشيخوخة في أوروبا ولدى حلفاء واشنطن في شرق آسيا (اليابان وكوريا الجنوبية)، يعني أن حلفاء واشنطن سيفقدون القدرة على تمويل قدراتهم العسكرية لتأمين الالتزامات الأمنية الدولية، ولن يكون لدى المؤسسات والجيوش الغربية الطاقة للحفاظ على وجودها العسكري الراهن على الأمد الطويل”.

وماذا عن أثر الهجرة في حل أزمة الشيخوخة؟

بما أن عدد المسنين يزيد في الدول الكبرى بوتيرة سريعة، أدركت تلك الدول أنها تحتاج بشدة إلى المهاجرين، إذ أعلنت ألمانيا على سبيل المثال إلى أنها تحتاج إلى حوالي 400 ألف مهاجر سنويًّا من ذوي الكفاءات، كي يسدوا الفجوة الناتجة عن الهبوط السكاني.
وتذكر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن :”ألمانيا أصبحت واحة الازدهار في فترات الأزمة، الوجهة الرئيسية للهجرة في 2012 لتحل في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”، وأشارت المنظمة في تقريرها السنوي حول الهجرة أنه “بعد الولايات المتحدة، باتت ألمانيا البلد الثاني الأكثر أهمية للهجرة، بينما كانت تحتل المرتبة الثامنة في 2009”.
ويري الخبير في شؤون المهاجرين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية جان كريستوف دومون أن أووربا إذا أغلقت الباب في وجه المهاجرين ستدفع ثمنا اقتصاديا، وقال: “في الوقت الراهن يمكننا الاستفادة أكثر من المهاجرين الموجودين بالفعل وخلق توازن أفضل بين مهاراتهم واحتياجات السوق. لكن على المدى الطويل لن يقتصر الأمر على التوفيق بين المهارات بل سيتعلق بالأعداد”.

ما هي حلول مواجهة أزمة الشيخوخة؟

عدة حلول اقترحت لمواجهة ظاهرة الشيخوخة، فعلى سبيل المثال، دعا خبراء في الاتحاد الأوروبي لتفادي سلبيات “الشيخوخة” إلى إدخال مزيد من النساء والمسنين إلى سوق العمل وتشجيع تحركهم داخل حدود أوروبا والاستفادة من المهاجرين بأكثر درجة ممكنة.
وتعمل بعض الدول الأوروبية على تشجيع زيادة الإنجاب، وفي تجربة فرنسا والسويد ما يمكن الاستشهاد به، إذا قدمت كل من الدولتين حوافز مثل توفير الرعاية الصحية للأطفال ومنح الأمهات فترة أطول لرعاية الأطفال بالإضافة إلى الحوافز المالية للأسر التي لديها أكثر من طفل.
كما شجعت دول تعاني من الشيخوخة المتقاعدين إلى الانتقال إلى دول البحر المتوسط أو أمريكا اللاتينية أو أفريقيا لحل الأزمة، إذ يعني ذلك –حسب الخبراء- تقليل الضغوط على الدول الصناعية الكبرى وفي نفس الوقت إتاحة الفرصة للدول النامية من الاستفادة من توفير الخدمات الصحية وغيرها لهؤلاء المتقاعدين.

أبرز الدول الكبرى التي تعاني من الشيخوخة:

ألمانيا

بسبب تناقص الزيادة الطبيعية، تعاني الدولة الأكثر سكانا في أوروبا “ألمانيا” من الشيخوخة، فمؤخرًا حذر خبراء ألمان (حسب مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني) “من الانخفاض الحاد في عدد السكان في ألمانيا، بسبب الإحجام عن الإنجاب، وعدم إدراك المجتمع للسلبيات الناتجة عن انخفاض عدد المواليد، ومدى تأثيرها على مختلف جوانب الحياة في البلاد”، وطبقا لهيئة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي (يوروستات) سيتراجع عدد سكان ألمانيا من 82 مليون نسمة إلى 74.7 مليون في نهاية عام 2050، وذلك في حالة عدم حدوث تغير في مستويات الهجرة، وتذهب بعض التقديرات إلى الأسوأ بتوقع انخفاض عدد سكان ألمانيا إلى 65 مليونا بحلول عام 2060.

اليابان

من بين أكثر الشعوب شيخوخة في العالم هو الشعب الياباني، إذ يمثل معدل الحياة في اليابان الأعلى في العالم، ويعود تناقص معدل الإخصاب في اليابان إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وصل عدد اليابانيون الذين تزيد أعمارهم عن مئة عام إلى 60 ألف شخص، ويذكر تقرير أصدرته وزارة الصحة اليابانية، أن عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 100 عام أو أكثر وصل إلى 61568 شخصًا بزيادة نسبتها 4.7% مقارنة بالعام السابق.

الصين

TONGZHOU DISTRICT, BEIJING, CHINA - 2015/08/14: A grandpa, who left his hometown and came to Beijing to take care of his only grandchild, is playing with the kid in his residential community. China is considering whether to allow all couples to have a second child, because a higher birth rate would ease the future burden of old-age care. (Photo by Zhang Peng/LightRocket via Getty Images)
منذ ثلاثة عقود ونسبة الشيخوخة في المجتمع الصيني في ازدياد، فهذا البلد الذي أقر سياسة الطفل الواحد يتجه إلى الشيخوخة بشكل مضطر، إذا تبين أن عدد من تجاوزت أعمارهم الخامسة والستين وصل إلى 131.6 مليون شخص، يمثلون 9.7% من سكان الصين (حسب وزارة شؤون المواطنين الصينية)، ويتوقع أن يبلغ عدد من هم فوق الستين في الصين إلى 300 مليون شخص بحلول عام 2025، وأن تبلغ نسبة المسنين بين مواطني الصين 30% بحلول عام 2050.
وأشار تقرير آخر صادر عن “المركز العالمي للدراسات التنموية” إلى أن ديموغرافية المجتمع الصيني المتجهة نحو الشيخوخة بالتزامن مع ظاهرة ارتفاع الأجور يشكلان أحد أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد الصيني في العقود الثلاثة القادمة.

كوريا

تشهد كوريا الجنوبية أسرع وتيرة للشيخوخة في العالم مقابل انخفاض نسبة الإنجاب، نتيجة الاتجاه المتزايد لدى النساء إلى العزوبية. وحسب مكتب الإحصاء الكوري إن الأشخاص في سن الخمسين كانوا يمثلون 18.3 % ة من 16.5 مليون كوري جنوبي في سوق العمل عام 2013 ويعاني حوالي نصف الكوريين المسنين من الفقر وكثير منهم يعملون في وظائف بأجور منخفضة من أجل تغطية نفقاتهم، ويتوقع أن يهبط عدد سكان كوريا الجنوبية الذي يبلغ الآن 50 مليونًا و200 ألف اليوم، إلى 20 مليونًا بنهاية القرن الحالي.
وكوريا مهددة بصدمة محتملة ناتجة عن انخفاض الإنجاب وارتفاع شيخوخة المجتمع، كما تقول الرئيسة الكورية الجنوبية بارك كون-هيه وتضيف: “إن السنوات الخمس القادمة ستحدد مصير الدولة لمدة 50 عاما في المستقبل، مطالبة اللجنة بإعداد تدابير واسعة النطاق وجمع الرأي العام بخصوص انخفاض الإنجاب وارتفاع شيخوخة المجتمع”.
شكرا لتعليقك